مرّت في الآونة الاخيرة فترة من الوقت حازت على اهتمام الناس في لبنان والخارج حول صحّة عدد من المسؤولين اللبنانيين، وذلك بعد ورود انباء في وسائل الاعلام تتحدث عن وضعهم الصحي. وفي حين ان المسألة تعتبر عادية في كل انحاء العالم عندما يتعلق الامر بأناس يشغلون مناصب اساسيّة في الدولة، لان اي تغيير قي وضعهم الصحي قد يؤثر على سياسة الدولة وتغيير وجهتها ربما، فإن في لبنان للمسألة وضع آخر. فاللبنانيون، كما العالم اجمع، يعلمون تماماً أنْ لا قدرة للبنان على احداث تغييرات في الاوضاع الاقليمية والدولية، وهو ليس بدولة عظمى ليتخوّف الجميع من التغييرات التي يمكن ان تحصل على الصعيد السياسي، اضافة الى ان القلق يطال ليس فقط من يشغلون مناصب رسمية، بل ايضاً رؤساء الاحزاب وزعماء في الحياة السياسة اللبنانية. لقد شمل الكلام عن القلق الصحي في الآونة الاخيرة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، والامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ورئيس القوات اللنبانية سمير جعجع، ولا يخفى على احد ان تردّي صحة اي منهم من شأنها ان تترك تداعيات سلبية كثيرة على الحياة اللبنانية، وستلزم الكثيرين في الداخل والخارج على اعادة الحسابات ووضع الخطط الجديدة لمواكبة التغييرات التي ستطرأ، في وضع مشابه قليلاً لما حصل بعد اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري ولو انه لا يجوز مقارنة وضع لبنان الحالي بما كان عليه في العام 2005، ان من جهة التحديات السياسية او من جهة المشاكل الاقتصادية والمالية، ناهيك عن وضع المنطقة ككل. ولكن، من المنصف القول ان اي تغيير في صحة الاشخاص المذكورين من شأنه ان يرخي بظلاله على المشهد اللبناني بشكل عام. ومع تمني الصحة الدائمة والعافية للجميع، فإن السيناريوهات المطروحة اذا تعرض احد من الذين تم ذكرهم آنفاً، لا سمح الله، لمشاكل صحية ليست مطمئنة. ففي حال وجد هؤلاء انفسهم غير قادرين على القيام بدورهم لاي سبب، سيكون من الصعب جداً تأمين البدائل. فليس هناك من نائب لرئيس الجمهورية او من يكلّف تسيير اعماله، وسيكون على الحكومة مجتمعة القيام بهذه المهام مع كل ما يعنيه ذلك من تناقض ومشاكل دستورية وقانونية عانينا منها في فترة الفراغ الرئاسي بعد ولاية الرئيس الأسبق العماد ميشال سليمان، حيث بات كل وزير بمثابة رئيس للجمهورية، اضافة الى المشاكل العديدة التي ستتأتى حيال التوافق على رئيس جديد مع تدخل القوى المحلية والدولية في هذا الاستحقاق.
وفي ما خصّ رئيس مجلس النواب، فإن الوضع دقيق ايضاً رغم وجود نائب للرئيس، ولكن المسألة ستتعقد بسبب اختلاف الطوائف من جهة، واختلاف طريقة تعاطي الافرقاء معه، وسيكون من الصعب جداً "استنساخ" تجربة بري، وقد تجد الطائفة الشيعية نفسها امام استحقاق مبكر ودون تحضير مسبق لاختيار بديل لن يكون من السهل ايجاده بالسرعة المطلوبة، كما انه يجب ان يكون قادراً على التواصل مع الجميع فيما سيخسر حتماً تأييد حركة "امل" التي قد لا يتوافق نوابها معه، ناهيك عن وضع الـ"حركة" بشكل عام بعد ان اعتادت على بري رئيساً لها منذ غياب الامام موسى الصدر عن الساحة.
ويبدو ان حزب الله هو الوحيد الذي لن يتأثر كثيراً بالمسألة، فهيكليته وتنظيمه كافيان بتجاوز مثل هذه الازمة، فالاهداف والافكار التي نشأ عليها الحزب لن تتغير، وسيكون نوابه الى جانب أمينهم العام اياً تكن هويته، ولكن يبقى معرفة شخصية الرجل الجديد وكيفية تأقلم القوى السياسية الاخرى معه.
اما حزب القوات اللبنانية، فسيكون امام تحدٍّ جديد يقضي في معرفة هويّة رئيسه وكيفية تقبّل اعضاء الحزب له بعد مخاضٍ تعرضوا له ابّان وجود جعجع في السجن حيث انقسمت "القوات" قبل ان يعود ويوحّدها تحت رايته، علماً ان شعبية القوات والتيار الوطني الحر تعتبر الاعلى لدى المسيحيين، حيث انهما يتقاسمان النسب الاعلى في الانتخابات النيابية، ومن شأن ابتعاده عن الصورة "خربطة" الوضع على الساحة المسيحيّة.
هذه باختصار، بعض الاسباب التي تثير قلق الداخل والخارج على صحة عدد من المسؤولين والزعماء اللبنانيين، وهذا بالتحديد ما يدفع الى تزايد الاقاويل والشائعات وتناقل الاخبار حول وضعهم الصحي.